مصير "القرض الحسن": التصفية أم الدمج في القطاع المصرفي؟

مصير "القرض الحسن": التصفية أم الدمج في القطاع المصرفي؟ -- Apr 22 , 2025 10

لطالما استخدم الخصوم السياسيون في لبنان "مؤسسة القرض الحسن" مادة للتراشق السياسي، بين من يدعون إلى إغلاقها كليًا باعتبارها "الذراع المالية" لحزب الله، وبين من يدعمون استمرارها كمؤسسة لا تهدف إلى الربح، تشكّل منفذًا للبنانيين الهاربين من تعسّف المصارف التجارية وقيودها. 

 

ولا شكّ أن لـ"مؤسسة القرض الحسن" حيثيّتها في الواقع السياسي اللبناني، فهي المؤسسة المُدرجة على لوائح وزارة الخزانة الأميركية للعقوبات بسبب ارتباطها بحزب الله المصنّف لدى الولايات المتحدة "إرهابيًا"، وهي المؤسسة التي تم استهدافها بالقصف الإسرائيلي في الحرب الأخيرة باعتبارها مصدر تمويل لحزب الله، يُستخدم لشراء الأسلحة ودفع رواتب المقاتلين، بحسب ما تدّعي إسرائيل.
وفي الوقت عينه، هي المؤسسة التي تُقدّم خدمات الإقراض للعملاء بلا فوائد أو عمولات، فتجمع الأموال من المساهمين وتُعيد إقراضها للمحتاجين لآجال ميسّرة ومن دون أي فوائد، كما تُقدّم خدمات مقابل رهونات ذهب بشروط يسيرة جدًا.
وبين هذا وذاك، ثمّة وضع قانوني ملتبس للمؤسسة يستلزم المعالجة: فهل ستتم تصفية المؤسسة كليًّا وإغلاقها كترجمة للمنحى السياسي القائم على نزع سلاح حزب الله وقطع ذراعه المالية؟ أم سيتم دمجها بالنظام المصرفي اللبناني وقوننة وضعها، حرصًا على اللبنانيين المستفيدين من خدماتها

واقع "القرض الحسن"
تجمع مؤسسة القرض الحسن مئات الآلاف من العملاء وآلاف الموظفين تحت سقف فروعها المنتشرة على امتداد العديد من المناطق اللبنانية. فالمؤسسة، التي اتخذت من البيئة الشيعية قاعدة لعملها منذ تأسيسها عام 1982 وحصولها على ترخيص رسمي من وزارة الداخلية عام 1987، باتت اليوم تُقدّم خدماتها لعموم اللبنانيين المتقدّمين بطلبات الاستفادة منها، من دون تمييز، حتى إنها وسّعت فروعها لتشمل مناطق غير شيعية، منها في جبل لبنان.
ويقول مصدر رفيع في القرض الحسن إن المؤسسة تُقدّم خدماتها لمحتاجيها من دون تمييز، ومن دون أي عمولات أو فوائد، موضحًا أن المؤسسة تُشكّل صلة الوصل بين المساهمين والمقترضين.
وقد ارتفعت أعداد المستفيدين من خدمات مؤسسة القرض الحسن بشكل كبير بعد تفجّر الأزمة المالية والمصرفية في لبنان عام 2019. وبحسب المصدر، تُقدّم "القرض الحسن" نحو 500 مليون دولار قروضًا سنويًا لعملائها، في حين يبلغ حجم التعاملات نحو 4 مليارات دولار، ويفوق عدد المستفيدين من قروض المؤسسة سنويًا 200 ألف مستفيد. وقد ارتفع مستوى الثقة بالمؤسسة بعد الحرب، حين تمكّنت من حماية المدخرات ولم تُخلّ بوعدها مع زبائنها.

وفي حين تصف تقارير غربية مؤسسة القرض الحسن بأنها جزء من البنية التحتية لتمويل أنشطة حزب الله، بما في ذلك تبييض الأموال وتمويل العمليات العسكرية، لا سيما بعد توسّع عملياتها بشكلٍ لافت في السنوات الأخيرة، تنفي الجمعية تورّطها في أي أنشطة غير قانونية، وتؤكد أن أموالها مكرّسة للإقراض الخيري والإنمائي داخل لبنان.

ويلفت المصدر إلى أن المؤسسة تمكّنت من حماية أموال وودائع الذهب الخاصة باللبنانيين خلال الحرب الأخيرة، على الرغم من تدمير غالبية منشآت حزب الله ومناطق نفوذه، بخلاف المصارف اللبنانية التي استولت على الودائع في بداية الأزمة.

كما أن المتعاملين مع مؤسسة القرض الحسن، سواء أكانوا من المساهمين أو المقترضين، لم يعانوا خلال السنوات الماضية، التي كان فيها سعر صرف الدولار متحرّكًا، ولم يتعرّض أي طرف للظلم الناتج عن انهيار الليرة، فقد أحسنت المؤسسة التعامل مع كافة الأطراف، وتساهلت مع الجميع.

مع الإشارة إلى أن المؤسسة تقدّم قروضاً شخصية وإنتاجية صغيرة بضمانات غير تقليدية، أبرزها رهن الذهب حيث لا يتجاوز مبلغ القرض 70 في المئة من قيمة الذهب المرهون، أو بكفالة أحد المساهمين أو بضمانة مشاركين يودِعون أموالهم كأمانات في الجمعية، كما تقدّم  خدمة شراء وادخار الذهب بالتقسيط، من دون أي عمولات، وهي الخدمة التي لا يوفّرها أي تاجر ذهب في البلد. وقد أنشأت الجمعية شبكتها الخاصة للتعاملات النقدية، بما فيها ماكينات صرّاف آلي خارج الشبكة المصرفية الرسمية. هذا التوسّع جعلها أشبه بمصرف رديف غير مرخّص، خصوصاً مع ازدياد الإقبال عليها خلال أزمة السيولة وانهيار القطاع المصرفي بعد عام 2019.

الخلل القانوني
اتساع شريحة المستفيدين من مؤسسة القرض الحسن لا ينفي، ولا يلغي، أنّ ثمّة خللًا قانونيًّا يشوب عملها، فالمؤسسة ليست مصرفًا، ولا مؤسسة مالية، ولا "كونتوارًا تسليفيًّا"، ولا ترتبط بأيّ شكل من الأشكال بقانون النقد والتسليف، ولا تخضع له، كما لا تربطها أي علاقة رقابية أو مالية بمصرف لبنان. إنما هي جمعية مسجّلة لدى وزارة الداخلية بموجب "علم وخبر"، تُعرّف عنها إدارتها كمؤسسة "خيرية إنسانية"، وتُبرّر عدم تقاضيها فوائد بأنه التزام ديني وأخلاقي. 

 

ويصف مصدر قانوني وضع مؤسسة القرض الحسن بـ"الهجين"، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الاقتصادية والقانونية، حيث يرى كثيرون أن القرض الحسن يمثل "مصرف ظلٍ" يعمل خارج إطار القانون ويشكل نظاماً مالياً موازياً غير خاضع للإشراف فعلياً.

ويُشير المصدر القانوني إلى أن نشاط الجمعية ينطوي على مخالفة لمبدأ حصر الخدمات المصرفية والمالية بالمؤسسات المرخَّصة، إذ تحظر القوانين اللبنانية ممارسة نشاط قبول الودائع ومنح القروض عبر جمعيات أهلية، وتُلزم بأن تكون أي جهة تقوم بهذه الأعمال شركة مساهمة حاصلة على ترخيص من مصرف لبنان.

هذا الوضع الملتبس قانونياً كان واضحاً للسلطات السياسية والمالية في البلد على مدار السنوات الماضية لكن أحداً لم يبادر إلى تصويبه قانونياً أو قوننة عمل مؤسسة القرض الحسن. ويرى المصدر أن نفوذ حزب الله سياسياً وأمنياً كان يشكّل حائلاً دون تدخل حاسم للسلطات الرسمية وهو ما وضع القرض الحسن في "المنطقة الرمادية" بنظر القانون.

تصفية أم دمج؟
وفي حين ينادي البعض بتصفية مؤسسة القرض الحسن نهائياً ولا يستند هؤلاء سوى إلى موقف العداء لحزب الله دون أي خلفيات أو أبعاد مالية، يرى آخرون أن خيار التصفية مستبعد ولا بد من دراسة إمكان تنظيم وقوننة مؤسسة القرض الحسن أو دمجها بالقطاع المصرفي اللبناني من خلال الترخيص كمصرف إسلامي بموجب القانون رقم 575 الصادر بتاريخ 11/2/2004 الذي سمح بتأسيس وتشغيل المصارف الإسلامية في لبنان ضمن ضوابط محددة.

ويرى مصدر قانوني أن مسألة تنظيم أو دمج مؤسسة القرض الحسن في النظام المصرفي أو إقفالها هي موضوع شائك يتقاطع فيه الاقتصاد بالقانون والسياسة. فالمؤسسة أصبحت واقعًا ماليًا واجتماعيًا لا يمكن إنكاره في لبنان، خصوصًا بعد الانهيار المصرفي، إذ ملأت فراغًا لدى شريحة كبيرة من المواطنين الذين فقدوا الثقة بالمصارف التقليدية. بالمقابل، يلفت المصدر إلى أن استمرارها خارج الأطر القانونية يشكل خرقًا صريحًا لمبدأ وحدة النظام النقدي والمصرفي، ويثير مخاوف مبررة حيال الشفافية وتبييض الأموال وتمويل الأنشطة غير المشروعة. 

 

أمام هذا الواقع، تجد الدولة اللبنانية نفسها أمام خيارات أحلاها مرّ، فإما ترك الوضع على ما هو عليه مع تحسين الرقابة قدر الإمكان، بما يعنيه ذلك من ازدواجية في الاقتصاد، أو تطبيع وضع الجمعية بخطوات جريئة قد تصطدم بعوائق سياسية وخارجية. مع الإشارة إلى أن منح الشرعية لمؤسسة القرض الحسن عبر الترخيص أو التشريع سيضمن إدخالها ضمن نطاق الرقابة وحماية المتعاملين معها رسميًا، لكنه أيضًا قد يُفسّر كاعتراف بدور موازٍ لحزب الله في المنظومة المالية. أما إبقاؤها في الظل فقد يحد من هيبة القوانين وسيادة الدولة في القطاع المالي.

من هنا، يرى المصدر أن الحل الأنسب قد يكون تسوية تدريجية تأخذ بعين الاعتبار خصوصية القرض الحسن كظاهرة نشأت من أزمات البلد، وذلك عبر قنوات حوار هادئة بين مصرف لبنان والقائمين على الجمعية برعاية حكومية، للوصول إلى صيغة تنظيمية مبتكرة تجمع بين عدم تقويض دور الجمعية الاجتماعي وعدم السماح باستمرارها خارج القانون إلى ما لا نهاية.

وفي نهاية المطاف، تبقى مسؤولية الدولة أن توازن بين الواقع القائم والحاجة إلى فرض حكم القانون، لضمان عدم استمرار "دويلة مالية" موازية داخل الاقتصاد اللبناني، ولصون مصلحة جميع المواطنين، سواء كانوا من جمهور المصارف التقليدية أو زبائن القرض الحسن.

عزة الحاج حسن - المدن

أقرأ أيضاَ

طوابير أمام المصارف.. سوريون ينتظرون رواتبهم ساعات

أقرأ أيضاَ

مستقبل المصارف في لبنان لا يُبشّر بالخير!